المقدمة :-
يعتبر الماء أساساً للكائنات الحية و سراً لخصوبة الأرض , و ازدهارها و انتعاشها , مصداقاً
لقولة تعالى : ((و جعلنا من الماء كل شيء حي )) .
و لقولة تعالى : (( و من آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت ,إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير ))
منه تنبثق الحياة.. ولأجله تاليا تنفجر الحروب
و الماء هو أكثر مكونات الأرض تميزاً , فقد كان مسرحاً لتطور الحياة و يدخل في تركيب كافة أشكالها في الوقت الحاضر و لعلة من أثمن الموارد التي أنعمت بها الأرض على البشرية جمعاء , و لذلك يفترض أن يحظى الماء باهتمام الإنسان و تقديره , و يسعى للحفاظ على الخزانات المائية الطبيعية و يصون نقائه إلا أن الشعوب في كل أصقاع الأرض أبدت ضرباً من الإهمال و قصر النظر في هذا المضمار , لا شك أن مستقبل الجنس البشري و الكائنات الأخرى و سيكون عرضة للخطر ما لم تتحقق تحسينات أساسية في إدارة موارد كوكب الأرض المائية .
و لا شك أن قضية الماء تعتبر من أخطر القضايا – إن لم تكن بالفعل أخطر قضايانا الداخلية كلها – قضية تفرض نفسها على كثير من حاضرنا و مستقبلنا .
و سوف أتناول في هذا البحث موضوع الثروة المائية في الوطن لعربي و مشاكلها التي تزايدت مع تزايد الحاجات الإنتاج الزراعي و الصناعي مما أدى إلى ظهور مشاكل عديدة ترتبط بالمياه و تنقسم إلى نوعين : مشاكل داخلية و مشاكل خارجية و المشاكل الطبيعية و منها الجفاف و التصحر و المشاكل البشرية و منها التلوث و الهدر و مشكلة توزيع المياه بين الأقطار العربية و انعدام التعاون بين الدول النهرية و دول الجوار الإقليمي .
وفي منطقة كالبلاد العربية مهددة بالزحف الصحراوي، تغدو المياه سلعة إستراتيجية بعد التطور الحاصل وعجز التكنولوجيا الصناعية والزراعية عن الاستغناء عن المياه كمادة حيوية وأساسية لا يستغني عنها في بناء الحضارات. وشمال إفريقيا الغني بالمياه أيضا واحد من أهم مصادر الحروب المستقبلية إذ من المعروف أن الصحراء الليبية التي تم منها سحب المياه إلى كافة المناطق الليبية ضمن مشروع النهر العظيم ولم يسحب من تلك المياه إلا القليل نسبة لاحتياط المياه المتوفر في تلك الصحراء التي يقال أن ليبيا تسبح على بحيرة من المياه يضاهي النفط. .
و سأتناول في هذا التقرير موضوع الثروة المائية في الوطن العربي و المشاكل التي تزايدت مع تزايد حاجات الإنتاج الزراعي و الصناعي مما أدى إلى ظهور مشاكل عديدة ترتبط بالمياه و تنقسم هذه المشاكل إلى نوعين : مشاكل داخلية و مشاكل خارجية .
المشاكل الخارجية سأتحدث عن : المياه العربية و الحروب القادمة – الأزمة العربية – المشاكل السياسية حول المياه العربية و صراع البقاء – مشاكل وادي النيل – الاستغلال التركي الجائر لمياه نهري دجلة و الفرات – الأطماع ( الإسرائيلية ) في المياه العربية – الأطماع المائية في نهر الأردن- الأطماع المائية في الجولان _ قناة البحرين الأبيض و المتوسط – المشروع الأميركي ( الإسرائيلي ) الحديث – الأطماع المائية بنهر النيل .
المشاكل الداخلية : و تنقسم إلى نوعين :
مشاكل طبيعية : التصحر – الجفاف .
مشاكل بشريه : التلوث – الهدر – مشكلة توزيع المياه بين الأقطار العربية – انعدام التعاون بين الدول النهرية و دول الجوار الإقليمي .
و أهم المقترحات التي أقترحها الباحثون . و اقتراحات قناة المتوسط و العراق .
العرض :-
أولاً : المشاكل الخارجية :-و هي المشاكل التي تتمثل في تهديد دول الجوار الجغرافي للأمن المائي العربي بسبب سيطرتها على نسبة كبيرة من منابع المياه العربية , أو مشاركتها للبلدان العربية في استغلال هذه المصادر .
1 – ألا زمة العربية : الوطن العربي وترشيدها. لا يوجد دليل على تغيّر المناخ الكبير في المناطق الجافة العربية منذ خمسة آلاف سنة حتى الآن على الأقل.. فما هي الأسباب الحقيقية للأزمة الحالية في المياه العربية؟!.. أولى هذه الأسباب التزايد السكاني الهائل في المدن العربية، حيث سيصل عدد سكان العواصم العربية عام 2025 لأكثر من 100 مليون نسمة، ويصل حينها الطلب على الماء لأغراض الشرب والصناعة في تلك العواصم حوالي 16 مليار متر مكعب (3مليار عام 2000)، وهذا يعتبر رقماً كبيراً بالنسبة للموارد المتاحة، ومجمل الطلب على الماء سيصل لأكثر من 50 مليار متر مكعب.
وقدر إجمالي الطلب على المياه في الوطن العربي في نهاية القرن الماضي قرابة 368 مليار م3 في العام الواحد، وسترتفع هذه الكمية لتصل ما يُقارب 620 مليار م3 في السنة في عام 2030.. وتدل الدراسات المتعلقة بتقييم الموارد المائية في الوطن العربي أن العجز المائي الإجمالي العربي سيصل عام 2010 إلى حوالي 160مليار م3/عام، ويتمثل هذا العجز في الفرق بين الاحتياجات الفعلية بكافة أغراضها وصافي المياه المتاحة من مياه تقليدية وغير تقليدية، ويمثل هذا العجز المتوقع حوالي 63% من صافي المياه المتاحة.. ومن الطبيعي أن يتزايد حجم العجز المائي وكذلك حجم الضائع من موارد المياه عاماً بعد عام إذا ما بقيت كميات المياه بدون تنمية وترشيد.. كما يجب الإشارة إلى أن الاستثمار الزراعي يمثل حوالي 83% من المياه المستخدمة، في حين أن استخدام المياه للأغراض المنزلية والشرب تصل إلى 5.5 % والباقي في الأغراض الصناعية.
أ – المشاكل السياسية حول المياه.. المياه العربية وصراع البقاء :الكيان الصهيوني وتركيا هما أول من انتبه إلى أهمية الماء في المنطقة العربية وندرته وغلاء ثمنه، وقد حاولا ولا يزالان استغلال كل قطرة مياه ممكنة واستخدامها سلاحاً ضاغطاً على العرب، ونذكر هنا اتفاقيات بيع تركيا المياه (لإسرائيل). وسبق للولايات المتحدة الأمريكية أن سرّبت عبر أجهزة مخابراتها (وعن قصد) تصوّرها لحرب المياه بين سورية وتركيا، فضخمت القوة العسكرية السورية على حساب التركية. حيث أوردت بأنه إذا ما حدث خلاف كبير حول المياه بين سورية وتركيا، فإن الطائرات السورية ستقصف السدود التركية وتدمرها كلها، ومن ثم ستدخل القوات البرية السورية الأراضي التركية وتبقى فيها لمدة عشرة أيام، إلى أن تتدخل قوات حلف الأطلسي لتحاول طرد القوات السورية..
ب - مشاكل وادي النيل : تعاني 96% من مساحة أرض مصر من التصحر، وتعاني أقاليم في السودان وإثيوبيا من الجفاف رغم أنهما على بعد حجر من مسار هذا النهر الخالد ! فقد كان من المعتقد بأن نهر النيل بمنابعه المتعددة وامتداده التاريخي كفيل بإطعام مصر الموصوفة بأنها هبة النيل. ولكن هذا التعبير المشهور منذ القدم لا يبدو دقيقاً في ظلّ الظروف الراهنة. فحول شريط النيل الأخضر ظلّ المصريون متجمعين دائماً ومتعلقين به وكأنه حبل النجاة الذي يخشون إفلاته، أما في الصحراء الغربية فليست هناك إلا القلة الضائعة في الواحات. وإن إطعام 25 مليون إنسان إضافي في مطلع هذا القرن، يتطلب من الحكومة المصرية العمل على نشر السكان لتعمير الصحراء، وعليها أن تستخدم مياه النيل بشكل أفضل، وأن تعمل على استخراج المياه الجوفية العميقة. فالشعب العربي في مصر يعتمد كلياً على النيل وكل بوصة على جانبيه تزرع مرتين وأحياناً ثلاث مرات في السنة على امتداد شريط ضيق طويل. ويضم حوض النيل ثماني دول متجاورة في إفريقيا هي مصر، السودان، إثيوبيا، تنزانيا، أوغندا، كينيا، زائير، بورندي، ورواندا، أي أكثر من 10% من مساحة إفريقيا. وصحيح بأنه نادراً ما تمّ تحدي مصر بمياه النيل، ولكن الدول الأخرى سرعان ما ستحتاج إلى المزيد من المياه للزراعة ومشاريع توليد الكهرباء. وتهدد إثيوبيا التي تأتي نسبة 85% من مياه النيل من أراضيها الجبلية، ببناء سد خاص بها على منابع النيل في مرتفعات شمال إثيوبيا. وتنتهج الحكومة المصرية اليوم سياسة مائية رشيدة، فمع برنامج الأراضي الجديدة تعرض الحكومة على الشبان قطعان الماشية والأموال والمياه المجانية لتعمير الصحراء (بعد أن حاولت بريطانيا باحتلالها لمصر الفصل بين سكان الوادي وسكان الصحراء)، ويقبل الآلاف هذا العرض، وتمّ تحديد مواقع المياه الجوفية التي ستسمح بازدهار الزراعة.
ج - الاستغلال التركي الجائر لمياه نهري دجلة والفرات : لطالما استخدم الأتراك العلاقة المائية مع سوريا والعراق باعتبارها مصدراً للابتزاز، وتسعى تركيا من خلال التحكم بنسب المياه إلى فرض هيمنة مائية شرق أوسطية مريعة. فالماء الذي يخرج من الحقائب التركية هو الممر الأقوى لدخول تشابكات الشرق الأوسط، بما يمكن الأتراك من لعب دور فقدوه منذ أن تهالكت الإمبراطورية المريضة وسلمت أنفاسها إلى مصطفى كمال أتاتورك. وقد جاء في تصريحات سابقة لمسئولين أتراك أنهم سيطالبون بتعويضات مالية من سوريا والعراق كأثمان للمياه التي يحملها نهرا دجلة والفرات. ويضاف إلى ذلك العلاقات الاقتصادية التركية (الإسرائيلية)، وما تمّ طرحه من مشروع (أنابيب السلام) الذي يقوم على إنشاء فرعين من الأنابيب الضخمة التي تضخّ تركيا عبرها الماء إلى السعودية والإمارات، ناهيك عن الاتفاقيات السرّية بين تركيا والكيان الصهيوني التي تمنح (إسرائيل) حصصاً من نهري دجلة والفرات. وقد اقترحت تركيا في مقابل احتجاز مياه الفرات ودجلة، مشروع (أنابيب السلام) الذي يحتوي على فرعين : الأول من نهر سيحون والثاني من نهر سيحان، وهما يجريان في جنوب تركيا ويصبّان في البحر الأبيض المتوسط، ويقوم المقترح التركي على أساس بيع ماء النهرين إلى سوريا والأردن (بالإضافة إلى السعودية ودول الخليج العربي). وعلى الجانب الآخر، كان المسئولون الصهاينة قد أطلقوا تصريحات مفادها بأن على سوريا تأمين ما تحتاجه من المياه من تركيا، في إشارة إلى أنه إذا ما تمّ (السلام)، فإن (إسرائيل) ستبقي على استغلالها لمياه الجولان التي تزوّدها بقسم كبير مما تحتاج إليه. ففي تصريح لـ(بيريز) طالب فيه دمشق بالتخلي تماماً عن مياه الجولان لتل أبيب، وأن تقوم بشراء ما ينقصها من تركيا. كما صرّح (باراك) بأنه لن يتمّ السماح لأرجل السوريين بأن تبتل بمياه بحيرة طبريا. وقد كان لـ(بيريز) دور بارز في بلورة ما أسمته تركيا بخط مياه السلام.
و يعتبر سد أتاتورك مشروع لحجز كمية من مياه نهر الفرات في الجنوب الشرقي حيث ثلوج الجبال التركية، وتوليد 9 ملايين كيلو واط كهرباء سنوياً. ويخضع السد لحراسة مشددة، ويقول مسئول تركي إن خشيته من تدمير السد غير واردة، فبالإضافة إلى أن الفيضان الناتج عن تدميره سيدمّر المدن والأراضي العراقية فإن ضربه سيكون تدميراً ذاتياً. وإن اكتمال تنفيذ مشروع (الغاب) التركي أو مشروع جنوب شرقي الأناضول على نهر الفرات سيؤدي إلى تخفيض المياه المتدفقة إلى سوريا والعراق من 28 مليار م3 سنوياً إلى 13 ملياراً فقط ليصيب دمشق بكارثة لانخفاض حصتها بنسبة 40%، وبغداد بكارثة أشد حيث تنخفض حصتها بنسبة 80%.. وما زالت تركيا مصممة على مواصلة مشروع الغاب الذي تبلغ تكلفته 34 مليار دولار (وتشارك في التمويل دول عربية) ويشمل بناء 22 سدّاً و19 محطة لتوليد الكهرباء وخصوصاً على نهر الفرات. كما أن تركيا تخطط أيضاً لإقامة سدود عدة على نهر دجلة المشترك تؤدي إلى حجز 50% من النهر عن العراق. واتهمت جامعة الدول العربية تركيا بالمماطلة في إجراء مفاوضات ثلاثية تطالب بها سوريا والعراق لزيادة حصصها من المياه. ورأت أيضاً بأنّ تركيا تحاول تأكيد الصفة التركية وليس الدولية للنهرين حتى نقطة عبورهما الحدود التركية. وذلك على الرغم من أن تركيا قد وقعت على اتفاقية لوزان عام 1932، واعترفت بموجبها بأن دجلة والفرات نهران دوليان تنطبق عليهما قواعد القانون الدولي ومعاهدتي هلسنكي عام 1966 والأرجنتين عام 1977. ومن أسباب الأزمة أيضاً مطالبة تركيا لبغداد ودمشق بالتعامل مع حوضي دجلة والفرات كحوض واحد. وكذلك اكتشاف أن نسبة التلوث في المياه القادمة من أنقرة قد ارتفعت إلى 1800 ملغ/لتر في حين أن المعدّل الدولي أقل من 800 ملغ/لتر، وهو ما يهدد سكان سوريا بالتلوث. وقد استمرت اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة للمياه السورية العراقية بالانعقاد، وتمّ الاتفاق على القيام بتحرك عربي ودولي لإجبار تركيا على القبول بقسمة عادلة ومقبولة لمياه نهر الفرات بين الدول الثلاث. وبالفعل تمّ توجيه تحذير للشركات والمصارف الأجنبية التي تساهم في تنفيذ السدود التركية العملاقة بالمقاطعة فيما إذا استمرت بالتعاون مع تركيا. وقد أعلن الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل أن لتركيا الحق في بناء السدود حتى آخر نقطة من حدودها.
د – الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية : ليس من المبالغة القول بأن المطامع (الإسرائيلية) المائية كانت أسباباً مباشرة أدّت لقيامها بعدواني عام 1967 وعام 1982.. فمصادر المياه المتاحة داخل فلسطين تم الكشف عنها واستغلال أكثر من 95% منها، ولذلك فإن الزيادة في عدد السكان واستصلاح أراض للزراعة ونمو الصناعة تحتاج كلها إلى مصادر جديدة للمياه. وفيما عدا تحليه مياه البحر، فإن (إسرائيل) استنفدت كل الوسائل المتاحة لها داخلياً، ووصلت كميات المياه المنتجة والمتاحة إلى حدودها القصوى. فكان الحل باتخاذ مجموعة من الخطوات للسيطرة على مصادر المياه القريبة من حدود الأراضي التي احتلتها سنة 1948 وأخذت تقضم غيرها بعد هذا التاريخ. معظم مصادر المياه في فلسطين المحتلة تنبع من لبنان أو تمرّ فيه كمياه الحاصباني والدان والليطاني وجبل الشيخ الذي يشكل مع هضبة الجولان السورية المحتلة خزاناً لمياه المناطق الجنوبية لبلاد الشام، فمليارات أطنان الثلوج تتساقط على قمم جبل الشيخ كلّ عام بالإضافة إلى الأمطار الغزيرة. وقد وضعت (إسرائيل) يدها على 30 كم من مجرى الليطاني باحتلالها السابق للشريط الحدودي، واعترف مدير (مصلحة المياه الإسرائيلية) "أنّ إسرائيل تستولي على 200 مليون م3 من مياه الليطاني سنوياً عبر نفق يربط سد الخردلي بدير ميماس عبر تل النحاس". كما تستعمل (إسرائيل) مخازن المياه الجوفية الغنية لنهري دان والحاصباني بواسطة مضخات وأنابيب أحاطتها بأسوار على جزء من نهر الحاصباني الذي استولت (إسرائيل) على 80 مليون م3 من مياهه إضافة إلى نبع الوزاني والبالغ 50 مليون م3، مما جعل كمية المياه التي تستولي عليها (إسرائيل) من لبنان بحدود 330 مليون م3 سنوياً. ولتحقيق التفوق الاستراتيجي والاكتفاء المائي عمدت (إسرائيل) إلى احتلال الأراضي اللبنانية. والأطماع الصهيونية في مياه نهر الليطاني قديمة قدم الحلم بإقامة ما يسمى (إسرائيل) على الرغم من انسحاب الصهاينة من جنوب لبنان، فقد سبق أن سمت عملية غزو لبنان عام 1978 بالليطاني.
ه - الأطماع المائية في نهر الأردن : الأردن لا يسيطر على نهر كبير، ونهر الأردن الذي يكاد يتحول إلى ساقية يمثل حداً بين الأردن وفلسطين المحتلة، وتقع منابعه في جبال لبنان والمرتفعات السورية المحتلة. ولم يعد للأردن سوى الاعتماد على روافد نهر اليرموك الذي يشكل جزءاً من الحدود الشمالية مع سوريا، ولكن حتى روافد اليرموك تعتبر مهمة بالنسبة لسورية و(إسرائيل) معاً. ولا مجال للأردن إلا الاعتماد على نهر الزرقاء الصغير الذي يجري في أراضيه وهو ليس نهراً بالمعنى الحقيقي بقدر ما هو واد تسيل فيه مياه الأمطار.. وقد بدأت (إسرائيل) العمل على تحويل نهر الأردن إلى النقب في ربيع سنة 1956 باعتماد بحيرة طبريا كمركز لتخزين مياه الفيضانات، وتأمين كامل الكميات المطلوبة للمشروع من المياه بضخها مباشرة من بحيرة طبريا.. وباحتلال (إسرائيل) مرتفعات الجولان عام 1967، سيطرت عملياً على مياه نهر الأردن. وقد بلغت اليوم نسبة الملوحة في مياه نهر الأردن الأسفل أكثر من 25% فهي مالحة جداً إلى درجة أن السمك الذي يجري معها يقذف نفسه منتحراً على جانبي النهر. إذن فهي لا تصلح للزراعة، إضافة إلى أنها منخفضة عن سطح البحر حوالي 200م، والحل هو خلطها بمياه عذبة، ولكن من أين ؟.. كما ازدادت أيضاً نسبة الملوحة في البحر الميت وانخفض منسوب المياه فيه، متأثراً بانخفاض منسوب مياه نهر الأردن.
ز - الأطماع المائية في الجولان : الأطماع الصهيونية بمياه الجولان قديمة، حيث أوصى "بن غوريون" قبل الاستيطان الصهيوني في فلسطين بضرورة السيطرة على منابع المياه في مرتفعات الجولان وحوران "لتأمين الشريان الحيوي لإسرائيل". ثم تركزت تصريحات المسئولين الصهاينة على الأبعاد الإستراتيجية للسيطرة على الجولان واستغلال المخزون المائي لنهاية سلسلة جبال حرمون، حيث يعتبر جبل الشيخ المصدر الرئيسي لتغذية الينابيع والبحيرات. وتجدر الإشارة إلى أن الجولان المحتل يتمتع بموارد مائية ذات نوعية جيدة صالحة للشرب، كما يتمتع بهطول أمطار تقدر بنحو 1.2 مليار م3 سنوياً وهو معروف بغزارة ثلوجه. كما ويعتبر الجولان من المناطق الغنية بالمياه الجوفية فتكثر الينابيع دائمة الجريان.. ولا شك أن واقع الجولان اليوم، الذي يعيش تحت نير الاحتلال، تُستغلّ موارده المائية كافة لصالح الكيان الصهيوني منذ ما ينيف على 35 عاماً.. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من أكثر الصعوبات في المفاوضات (السورية الإسرائيلية) هو منطقة مثلث الحمة التي تضم قرية كفر حارب المحتلة الغنية بمياه الأمطار والينابيع والمطلة على بحيرة طبريا.
و- قناة البحرين.. الميت والمتوسط : منذ أن حولت (إسرائيل) كميات كبيرة من نهر الأردن وروافده إلى بحيرة طبريا، بدأ منسوب المياه يقل في هذا البحر الداخلي. كما أخذ طول البحر يتناقص نتيجة الجفاف التدريجي لأجزائه الجنوبية واضمحلال مساحته. وإن التذبذب الذي يتعرض له منسوب سطحه في الوقت الحاضر ناجم عن عوامل بشرية، تتمثل بإقامة السدود والخزانات المائية، وتحويل مجاري الروافد وخاصة مياه نهر الأردن واستخدامها لأغراض الري والتوسّع الزراعي، ولا ننسَ أيضاً أن نسبة التبخير عالية بسبب درجات الحرارة المرتفعة في منطقة غور الأردن. وقد استمر تراجع منسوب مياهه ووصل مع مطلع التسعينات لأكثر من 410م، مما ينذر بموت البحر الميت. وقد أخذ الصهاينة بتوسيع دائرة الذرائع المتعلقة بظاهرة اضمحلال البحر الميت، وراحوا يتحدثون عن ضرورة إنقاذه وحمايته من الاضمحلال، من خلال شق قناة تصله بالبحر المتوسط تعوّضه عن كميات المياه التي افتقدها، إلا أن هناك أهدافاً أخرى كامنة وراء ذلك، وقد تم اقتراح ثلاثة حلول لحفر القناة :
1 - شق قناة من خليج حيفا عبر مرج ابن عامر إلى بيسان في غور الأردن، واستكمال ذلك من خليج العقبة عبر وادي عربة.
2 - شق قناة تمتد من شمال أشدود على المتوسط إلى البحر الميت مباشرة جنوب تله قمران.
3 - شق قناة من شمال خان يونس على البحر المتوسط مروراً ببئر السبع جنوباً، حتى البحر الميت شمال قلعة معدة التاريخية.
وتهدف (إسرائيل) من وراء إنشاء قناة البحرين إلى توليد طاقة هيدروكهربائية كبيرة من خلال توربينات - إحياء مشروع الوقود الزيتي من الزيت الحجري، الموجود في الجبال المطلة على البحر الميت، الذي تقدر كميته بألفي مليون طن - إحياء المشروعات السياحية على طول القناة من خلال إنشاء بحيرات اصطناعية ونوادٍ استجمامية وفنادق - تحليه مياه البحر واستكمال مشروعات إعمار النقب - استخدام القناة كسور وخندق أمني استراتيجي لحماية إسرائيل من أيّ زحف عربي في المستقبل من الجنوب.
ي - المشروع الأمريكي (الإسرائيلي) الحديث : فكرت (إسرائيل) بالتعاون مع عدد من مراكز الأبحاث الأميركية في مشروع لإنتاج ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية المستمدة عن طريق نقل 2500 مليار غالون من المياه سنوياً من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الميت، وقد بلغ هذا المشروع أوج نضوجه في عام 1992 من خلال جهود ودراسات قام بها مركز أبحاث أميركي معظم باحثيه من الصهاينة. وأوضحت الدراسة "أنّ بإمكان إسرائيل أن تستخدم الطاقة الكهربائية المستخدمة من صبّ المياه بهذه الكمية من المتوسط إلى البحر الميت في إزالة ملوحة 400 مليار غالون من الماء سنوياً"، ومن المعلوم أن (إسرائيل) تستهلك سنوياً ما يُعادل هذا الرقم تماماً، أي أن المشروع يكفل لها مضاعفة مياهها. إلا أن المشروع لا يخلو من مصاعب أهمها توسيع مساحة البحر الميت بنحو 440 ميلاً مربعاً، ويتطلب هذا بالتالي حفر 300 مليار ياردة مكعبة من التراب والصخور ستستخدم في توسيع الأرض على حساب البحر الأبيض المتوسط وبإمكان (إسرائيل) أن تضيف ما يُعادل 380 ميلاً مربعاً إلى مساحة شواطئها بمستوى البحر، أي أن تكسب 108 ملايين ياردة مربعة من الأرض بدون حرب، كما أن بإمكان (إسرائيل) أن تضيف مساحة 350 ميلاً مربعاً تحت مستوى سطح البحر، ومعنى ذلك أنه سيكون باستطاعة (إسرائيل) أن تضيف إلى مساحتها 725 ميلاً مربعاً من الأرض التي يُمكن معالجتها لتصبح جاهزة للزراعة، ولإقامة مطار جديد في تل أبيب بمساحة 1.3 مليون ياردة مربعة، وكذلك منطقة حرة للتجارة تروج فيها صناعاتها المحلية، وتنافس بذلك دور بيروت القديم الذي يخشون كثيراً من عودته. ونستطيع أن ندرك مدى أهمية هذا المشروع للكيان الصهيوني بمعرفة أن نحو 80% من سكان ما يسمى (إسرائيل) يعيشون على مساحة ألف ميل مربع من السهل الموازي للبحر المتوسط، الأمر الذي يُساعد على استيعاب سكان جُدد.. والأرض الجديدة لن تكلف قوات الاحتلال لإيجادها سوى جزء من القيمة الحقيقية لها عندما تصبح عقارات شديدة الإغراء للمشترين، وتُقدّر قيمـة الأيكر الواحد من هذه الأرض (4480ياردة مربعة) بـ 100 ألف دولار، وهذا يعني أن القيمة الإجمالية لمساحة الأرض الجديدة لن تقل عن 46 مليار دولار، ويكفي نصف هذا المبلغ لتغطية نفقات خلق هذه الأرض، ونفقات محطات إزالة ملوحة المياه، ونفقات إقامة محطة للطاقة الكهربائية بالقرب من البحر الميت، ونفقات إقامة قناة لنقل مياه المتوسط إلى الميت، وكذلك نفقات الحفر وإزالة التراب والصخور. ويوصي مركز الأبحاث الأمريكي بأن يتم المشروع عبر دفعات لاستخدام عوائد بعض الأجزاء لإنجاز الأجزاء الأخرى، إذاً يسعى الصهاينة في فلسطين المحتلة لحرث البحر بعد الانسحاب من الأرض.
ع - الأطماع المائية بمياه النيل : إن مشروع نقل مياه النيل إلى النقب ليس جديداً على (إسرائيل)، ففي مطلع العام 1974 وبعد حرب تشرين الأول/أكتوبر نشر المهندس (البشع كإلي) مقالاً في (معاريف) بتاريخ 17/9/1978 ضمّنه مشروعه بنقل مياه النيل إلى النقب الذي يقضي باستثمار 1% فقط من مياه النيل أي ما يُعادل 800 مليون م3 من المياه، ويتم النقل بواسطة أنابيب وأقنية بمحطات ضخ. ولقد سمى (الإسرائيليون) هذا المشروع بـ (يبور). وهناك عقبتان في وجه هذا التنفيذ: الأولى أن نهر النيل هو نهر دولي ليس من حق أي دولة أن تتصرف بمياهه تجاه الغير منفردة بدون موافقة الشركاء في الحوض. والثانية أن الشعب العربي المصري الذي يقدس نهر النيل، ويعتبر أن مصر هي هبة النيل.. وقال (كإلي) بأن "إسرائيل سوف تشتري مياه النيل بنفس ثمن القطن الذي تنتجه مصر، وذلك لأن المزارع الإسرائيلي يستطيع أن ينتج بوساطة الكمية من الماء نفسها ستة أضعاف ما ينتجه الفلاح المصري".
خ -السلام ومصير المياه العربية :مهما كانت المواقف العلنية المتناقضة (لاسرائيل) فإنّ السلام المستحيل سيأتي حاملاً معه حتمية الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وبالتالي التخلي عن العديد من المصادر المائية، إلا أنّ (إسرائيل) تسعى اليوم إلى امتلاك زمام الأمور للسيطرة على كلّ قطرة ماء عربية لتمنحنا ما تريد وتقطع عنا متى تشاء، وهذا ما عكسته الاتفاقيات المنفردة التي وقّعت مع (إسرائيل) حيث يبرز الاهتمام (الإسرائيلي) بشكل كبير للسيطرة على ينابيع المياه وكل روافد الأنهار