جلس رجلان معا خلف أبواب مغلقة , كانا يخططان لجريمة كبرى ..جريمة قتل ! قتل من ؟ قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ! لا لشيء إلا أنه أراد أن ينشر بينهم نور الهداية , ويخرجهم من الظلمات إلى النور , وينقذهم من نار جهنم , ويهديهم إلى طريق الجنة , التي أعدها الله للمؤمنين .
كان أحد هذين الرجلين زعيما من زعماء الكفار في مكة , إنه أبو سفيان بن حرب و ذلك قبل إسلامه بدأت الحكاية بتحريض منه لعدد من كفار قريش ودعوتهم إلى قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال لهم : ألا يوجد رجل يغتال محمد ؟! ثم بين لهم أن الأمر سهل , فقال لهم : إنه يمشي في الأسواق لذا يسهل اغتياله , على من أراد ذلك . لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة حينما أطلق أبو سفيان هذه الدعوة بل كان قد هاجر إلى المدينة .
سمع رجل من الأعراب هذه الدعوة , التي أطلقها أبو سفيان بن حرب , فأراد القيام بالمهمة لذا فقد أسرع إلى دار أبي سفيان , دخل عليه وقال له : إذا وفيتني وأعطيتني , خرجت إليه حتى اغتاله , فإني على دراية بالطريق , وأعرف مسالكها , ومعي خنجر مثل خافية النسر , اغتاله به , فلا يستطيع أحد أن يحول بيني وبينه .
فرح أبو سفيان به وقال له : أنت صاحبنا الذي نريده , للقيام بهذه المهمة , ثم يسر له كل ما يعينه على القيام بجريمته , فأعطاه بعيرا ونفقة , وأوصاه أن يظل الأمر سرا بينهما , حتى لا يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعده الأعرابي على ألا يخبر أحدا بما اتفقا عليه , فازداد أبو سفيان يقينا , أن خططه تمضي في طريقها المرسوم .
استعد الأعرابي للرحيل إلى المدينة , سيقطع الطريق نفسه الذي قطعه المهاجرون , ولكن شتان بين من قطع الطريق أملا في نصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم و حرصا على نشر دينه , وبين من ظن أنه قادر على أن يطفئ نور الله بنفخة من فمه ! ركب الأعرابي بعيره , وغادر مكة في ظلام الليل , كي لا يراه أحد من أهلها , أمضى في طريقه خمس ليال , وصل إلى المدينة في صباح اليوم السادس , ظن أنه أصبح قريبا من غايته , فلم يعد بينه وبينها , إلا أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقترب منه ويسدد إليه طعنة غادرة ! لم يكن يعرف أين رسول الله صلى الله عليه وسلم , أخذ يسأل الناس عنه حتى اهتدى إلى مكانه , وصل الأعرابي إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , ربط ناقته ببابه , دخل عليه حيث كان جالسا مع أصحابه .
نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الأعرابي القادم نحوه , فرأى بنور الله ما لم يره غيره , قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : إن هذا الرجل يريد غدرا ,والله حائل بيني وبين ما يريده أي أن الله سبحانه وتعالى , سيحميني ويحفظني منه . لم يكن ذلك الأعرابي يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم , لذا فقد سأل الحاضرين : أيكم ابن عبد المطلب ؟ أجاب النبي : أنا ابن عبد المطلب . ظن الأعرابي أنه لم يعد بينه وبين تحقيق غايته الشريرة سوى أن يتقد بضع خطوات نحو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم , كي يطعنه طعنة غادرة .
تقدم الأعرابي الذي كان يخفي الخنجر في ثيابه , وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , انحنى عليه كأنه يريد أن يقول له سرا , ولكن الصحابي الجليل أسيد بن حضير كان له بالمرصاد , جذبه قائلا : أبتعد عن رسول الله , ثم جذبه من داخل إزاره فكانت المفاجأة ! رأى الخنجر الذي كان يخفيه في إزاره , فصاح أسيد قائلا : يا رسول الله , هذا غادر! امتلأ الأعرابي خوفا و رعبا , ظن أنه لا سبيل إلى النجاة بعد أن افتضح أمره , لذا فقد صاح قائلا: دمي .. دمي يا محمد , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه : قل الصدق .. من أنت ؟ ولماذا جئت ؟ فإذا صدقت نفعك صدقك , وإذا كذبت فقد أطلعني الله على ما هممت به وأردت أن تفعله . سأله الأعرابي قائلا : أخبرك الصدق و أنا آمن ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنت آمن .
بدأ الأعرابي يحكي تفاصيل جريمته , أخبر النبي بما دار بينه وبين أبي سفيان في مكة , وأنه جاء كي يقتله غيلة وغدرا . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحبسه عند أسيد بن حضير رضي الله عنه فماذا كان مصيره؟
ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إليه في اليوم التالي , وقال له أمنتك فاذهب حيث شئت ! كاد الأعرابي لا يصدق نفسه بعد هذا العفو النبوي الكريم فهو يستطيع أن يذهب من حيث جاء ومثلما جاء , يعود كافرا كما أقبل كافرا , ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فتح له أبواب الخير بقوله : أو خير لك من ذلك ؟
قال الأعرابي : وما هو؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .
استجاب الأعرابي فقد شرح الله صدره للإسلام , أسلم ونطق بالشهادتين , ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد... لم أكن أخاف من الرجال من قبل , ولكن حينما رأيتك ذهب عقلي , وشعرت بالضعف يسري في نفسي ثم أطلعك الله على ما هممت به , رغم أنني لم أخبر به أحدا , فعرفت أنك على حق وأن الله حاميك وحافظك.