لم يأتِ المسلمون الأوائل إلى أمريكا لتكون مقرًّا دائمًا لإقامتهم، فقد كانوا يسعون إلى التجارة وجمع المال ثم العودة إلى أوطانهم، ولكن الكثير منهم تحت تأثير النجاح والقدرة على التكيف مع البيئة المحيطة فضَّل الاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية. ومع أنَّ الدستور الأمريكي يؤكد على علمانية الدولة والفصل بين الدين والدولة، فإنَّ الدين يمثِّل عنصرًا أساسيًّا من عناصر خصوصية المجتمع الأمريكي.
وقد ساعدت قوانين الهجرة الأمريكية الجديدة في بداية الستينيات - بجانب ثورة الحقوق المدنية الأمريكية، وتوجُّه الأقلية الإفريقية الأمريكية نحو الإسلام - على زيادة أعداد المسلمين في أمريكا بصورة ملحوظة منذ أواخر الستينيات. وتُعَدّ قضية الوجود وتكوين الهوية المتميزة من أهم القضايا التي واجهت المسلمين في المجتمع الأمريكي، فلقد كانت أهم مشكلة واجهت المسلمين الأوائل في المجتمع الأمريكي، هي العقبات النفسيَّة والدينية والثقافية والاجتماعية التي تتعلق بمصيرهم ومصير أبنائهم، وتراثهم وعقيدتهم في مجتمع جديد عليهم في قيمه وفي عاداته.
وما زال الوجود السياسي الفعَّال للأقليات الإسلامية على الساحة الأمريكية يتطلب مزيدًا من الوعي والاقتناع من هذه الأقليات بأهمية دورها وقدرتها على التأثير في القرار السياسي الأمريكي؛ ليستجيب لمطالبها واحتياجاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.
وتمثل أزمة الحادي عشر من سبتمبر مرحلة فاصلة في تاريخ الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي؛ وذلك لِمَا لها من آثار خطيرة، ومنها: تزايد حالات الاعتداء على الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، وترسيخ الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين في أذهان الأمريكيين، وتهديد حقوق المسلمين في الولايات المتحدة.
ومع ذلك لم تستطع هذه الأزمة أن توقف عجلة تطور الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي؛ وذلك لطبيعة هذا الوجود من حيث استناده إلى الهويَّة الإسلامية كمصدر للقيم والتوجهات، مما يجعل المسلمين أقل تعرضًا لضغوط الذوبان السياسي والاجتماعي داخل المجتمع الأمريكي.
وختامًا نؤكد أنَّ الوضع الإسلامي في أمريكا إلى تحسُّنٍ، وأعداد معتنقي الديانة الإسلامية في ازدياد. كما أنَّ العمل الإسلامي الدعويّ أصبح لديه من العلم ومن تراكم الخبرات ما يؤهِّله لمرحلة جديدة ومشرقة في مجال الدعوة الإسلامية، وذلك باحتكاكه المباشر بمشاكل المجتمع الأمريكي، وتقديم الحل الإسلامي كبديل عملي.
هجرات مسلمة.. ومجتمع علماني
لا يوجد اتفاق حول بداية الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي، إلا أن هناك شبه اتفاق حول طبيعة هذه البداية، وقد وصل المهاجرون المسلمون الأوائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مجموعات صغيرة، ثم أخذت في الزيادة على هيئة موجات متلاحقة.
وخلافًا للمهاجرين الأوربيين، لم يأتِ المسلمون الأوائل إلى أمريكا لتكون مقرًّا دائمًا لإقامتهم، فقد كانوا يسعون إلى التجارة وجمع المال ثم العودة إلى أوطانهم، ولكن الكثير منهم تحت تأثير النجاح والقدرة على التكيف مع البيئة المحيطة فضَّل الاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جذبت قصص نجاحهم أقاربهم وسكان قراهم للهجرة إلى هناك، ومن ثَمَّ بدأت تتكوَّن مجموعات من المهاجرين تجمعهم رابطة القرابة العائلية بجانب رابطة الجوار والتفاعل في البلد المهاجر إليه، ثم نظم هؤلاء أنفسهم استجابة للأحداث الاجتماعية والضغوط والتحديات التي واجهتهم في بداية هجرتهم، والتي دفعت المسلمين إلى تلمُّس الوسائل التي تؤكِّد وتثبت هويتهم، وكان أهم هذه الوسائل بناء المساجد، ووضع البذور المبكرة للتنظيمات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والترويحية.
وللحق فإنه على الرغم من أنَّ الدستور الأمريكي يؤكد على علمانية الدولة والفصل بين الدين والدولة، إلاَّ أنَّ الدين يمثِّل عنصرًا أساسيًّا من عناصر خصوصية المجتمع الأمريكي؛ فالحياة الأمريكية تخضع لنظام من القيم، وتتفاعل داخله العديد من الأديان ولكن بدرجات مختلفة، تفصل بينها مسافات اجتماعية واتجاهات مذهبية وفكرية تؤكد على هذه التعددية، ونجد الدين يوجِّه عادات المجتمع الأمريكي بواسطة العديد من المؤسسات الاجتماعية.
لعل من أهمِّ الأسباب التي عمَّقت من دور الدين في المجتمع الأمريكي هو ما يتعلق بقضية الهوية الأمريكية؛ حيث يرى البعض أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية أُمَّة من المهاجرين. ومع أن الهدف الرئيسي الذي أكد عليه الدستور الأمريكي هو الحفاظ على وحدة الدولة، وحماية المجتمع من التفتت والانقسام والصراع، والتأكيد على التسامح الديني والمساواة الاجتماعية والعدالة، والديمقراطية، إلاَّ أنه ما كان الأمريكيون عبر مراحل تاريخهم المختلفة أُمَّةً واحدة لغويًّا أو عقائديًّا أو قوميًّا، بل إنها مجرد وحدة سياسية فحسب. وهو ما ترتب عليه تزايد دور الدين والعرقية كمقومات للهوية في المجتمع الأمريكي، فالمواطن الأمريكي أصبح يشارك في الحياة السياسية والاجتماعية لا بصفته مواطنًا أمريكيًّا علمانيًّا، ولكن بصفته بروتستانتيًّا أو كاثوليكيًّا أو يهوديًّا أو مسلمًا، أو غير ذلك من المذاهب والانتماءات الدينية والأصول والانتماءات العرقية والإثنية التي يقوم عليها المجتمع، مما جعل وجود الأقليات والتعدد الإثني يمثِّل خاصية أساسية للمجتمع الأمريكي، وجزءًا لا يتجزأ من أسلوب الحياة فيه[1].
والموجة الأخيرة من الهجرات المسلمة إلى الولايات المتحدة كانت في النصف الثاني من القرن العشرين، والتي تم خلالها تأسيس العدد الأكبر من المنظمات والمؤسسات والمراكز الإسلامية الموجودة حاليًا في الولايات المتحدة، وهذا ساعد على استقرار مسلمي أمريكا ونموهم.
كما ساعدت قوانين الهجرة الأمريكية الجديدة في بداية الستينيات، إضافةً إلى موجات الطلاب المسلمين القادمين للدراسة في الغرب، بجانب ثورة الحقوق المدنية الأمريكية، وتوجُّه الأقلية الإفريقية الأمريكية نحو الإسلام في زيادة أعداد المسلمين في أمريكا بشكل ملحوظ منذ أواخر الستينيات.
وقد اهتمَّت المجموعة الأخيرة من المهاجرين اهتمامًا ملحوظًا ببناء المؤسسات الإسلامية، وبنشر المعرفة الدينية بين المسلمين المهاجرين؛ سعيًا منها للحفاظ على الهوية والديانة الإسلامية بين المهاجرين. ومن أهم معالم هذه المرحلة تأسيس مسلمي أمريكا لمنظمات حاولت تجميع المسلمين المهاجرين إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في مؤسسات كبيرة تعمل في الأساس على حماية هويتهم، ونشر المعرفة والنشاطات الإسلامية بينهم؛ ومن هذه المؤسسات اتحاد الطلبة المسلمين (MAS) الذي أُسِّس في عام 1963م، والحلقة الإسلامية لشمال أمريكا (ICNA) التي أُسِّست في عام 1971م، والاتحاد الإسلامي لشمال أمريكا (ISNA) الذي تأسَّس في عام 1982م[2].
بدراسة إحصائيات الهجرة والتعداد لعام 1980م، وتقديرات المسلمين الأمريكيين من أهالي البلاد الأصليين، فإنَّ عدد المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة عام 1980م بلغ 3.3 مليون نسمة، ويمثل هذا التقدير 1.5 في المائة من تعداد الولايات المتحدة عام 1980م. أما عدد اليهود في ذلك الوقت قُدِّر بـ 5.9 مليون يهودي بما يمثل 3 في المائة من سكان الولايات المتحدة، بينما بلغ عدد معتنقي الديانة المسيحية نسبة 55 في المائة من السكان.
يتَّضح من هذه البيانات أن الديانة الإسلامية في ذلك الوقت أضحت أقليَّة مؤثرة ضمن الديانات الأمريكية، وتقترب في ترتيبها من اليهودية.
ويشكَّلُ المسلمون الأمريكيون ذوو الأصول الإفريقية حوالي 30% من المسلمين المقيمين في أمريكا عام 1980م، هذا إضافةً إلى ذوي الأصول الأوربية الذين شكََّلوا 26.6% من المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعود أصول النسبة المتبقية من المسلمين والتي تمثل 11.5% إلى قارة آسيا.
تصاعدت الهجرات الإسلامية والمواليد من عام 1981م حتى عام 1986م، حيث قُدِّر عدد المسلمين في عام 1986م بأربعة ملايين نسمة، وهو ما يمثل زيادة قدرها 21% خلال ستة أعوام[3].
تم استخدام الإحصاءات السكانية منذ عام 1980م لتقدير التكتلات الإقليمية للمسلمين المقيمين في أمريكا خلال هذه الفترة، وبالتحديد في ثلاث ولايات تتميز بكثافة عالية من المهاجرين، وهذه الولايات هي: كاليفورنيا، ونيويورك، وإلينوي.
وأشارت نتائج الإحصاء إلى أن ولاية كاليفورنيا هي التي ضمَّت غالبية المسلمين عام 1980م، حيث بلغ عددهم أكثر من نصف مليون مواطن من سكانها البالغين 24 مليونًا، وضمَّت هذه الولاية أكبر عدد من مسلمي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقارنةً بأية ولاية أخرى في البلاد، وكان تسعة عشر في المائة من مسلمي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الإيرانيين.
وبالنسبة لولاية نيويورك ففي عام 1980م كان عدد المقيمين فيها من المسلمين أربعمائة ألف مسلم، يشكلون 2.3% من مجموع سكان الولاية، وكانت النسبة الغالبة للمسلمين المقيمين في نيويورك من مسلمي شرق أوربا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينما شكَّل المسلمون الأمريكيون الأفارقة المجموعة الكبرى التالية من حيث الحجم، ومن بين خمسة وأربعين ألف مسلم آسيوي من المقيمين في نيويورك عام 1980م كان 26% منهم من باكستان أو الهند، أيضًا كان ما يزيد على 56% من مجموع مسلمي الكاريبي يقيمون في نيويورك.
أمَّا ولاية إلينوي فكان يقيم فيها عام 1980م مائة وسبعين ألف مسلم، وقد تساوى في التمثيل داخل هذه الولاية مسلمو شرق أوربا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا والأمريكيون الأفارقة، وقد قلَّ عدد المسلمين الآسيويين المقيمين في هذه الولاية، فلم تتعدَّ نسبتهم 11% من السكان المسلمين.
وهكذا تكتَّل أكثر من ثلث السكان المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة عام 1980م في الولايات الثلاث: كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي، فتجمَّع فيها نحو 62% من المسلمين الآسيويين، و35% من مسلمي شرق أوربا، ولم تضم ولاية أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذه التكتلات الكبيرة من المسلمين.
وبالقياس إلى إجمالي عدد المهاجرين الذين وفدوا إلى الولايات المتحدة، فقد زاد عدد المهاجرين المسلمين على الضعف خلال العقدين الماضيين؛ حيث زاد من 4% من إجمالي المهاجرين في عام 1968م إلى 10.5% في عام 1986م. وبينما يمثل المسلمون الآسيويون ومسلمو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معًا 82% من السكان المسلمين في العالم، فإن المهاجرين المسلمين القادمين من الدول الآسيوية ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمثلون معًا الآن جميع المسلمين المهاجرين تقريبًا، وليس هناك سوى عدد قليل جدًّا من مسلمي جنوب الصحراء وشرق أوربا، وغيرها من الأقاليم القارية يفدون الآن على الولايات المتحدة[4].
كما تُقدِّم دراسة (المسجد في أمريكا: صورة وطنية) الصادرة عن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية كير في عام 2001م، أوَّلَ وأشمل مسحٍ من نوعه لأهم المؤسسات المسلمة في أمريكا وأكثرها انتشارًا، ألا وهي المساجد.
وتشير الدراسة إلى أن 2% من المساجد في أمريكا تم تأسيسها قبل عام 1950م، في حين تم تأسيس نصف المساجد بعد عام 1980م، كما أن 87% من المساجد في أمريكا تم تأسيسها بعد التسعينيات.
كما أوضحت الدراسة أنَّ أحد أهمّ الأسباب لنمو أعداد المسلمين في أمريكا يعود إلى ارتفاع معدلات اعتناق الإسلام بين الأمريكيين؛ إذ يعتنق الإسلام كل عام 20 ألف أمريكي، 70% منهم من الأفارقة الأمريكيين[5]؛ حيث تشير التقديرات إلى أن مقابل كل أمريكي أبيض يتحول إلى الإسلام، يوجد عشرة من الأمريكيين السود يعتنقون الإسلام. ولا ننكر أن أعظم الوسائل التي استخدمها الأمريكيون الأفارقة المسلمون للدعوة إلى الإسلام والتي حققت نجاحًا كبيرًا، هي تقديم الإسلام إلى السجناء الأمريكيين؛ فقد تحول العديد من هؤلاء السجناء إلى أعظم المدافعين عن الإسلام والعاملين في سبيله في أمريكا. ولم تقتصر المنظمات الإسلامية على الدخول إلى السجون فقط، بل أقامت المساجد داخل بعض السجون، مع تخصيص أماكن لإقامة شعائر الصلاة وأخرى لتلاوة القرآن الكريم ودراسته. كما تفاوضت مع السلطات لتوفير الاحتياجات الدينية الأخرى للسجناء المسلمين مثل: الطعام الخالي من لحم الخنزير، وتمكينهم من إقامة شعائر صلاة الجمعة، وتعديل مواعيد تناول الوجبات خلال شهر رمضان المبارك. وقد شهدت السلطات بأن السجناء المسلمين من أكثر السجناء ميلاً للمسالمة، وأعظمهم نشاطًا وقدرةً على العمل، والنظافة الأخلاقية[6].
أيضًا يطلق البعض على المرحلة الحالية من مراحل تطور المسلمين في أمريكا، والتي تمتد منذ تسعينيات القرن العشرين اسم (مرحلة المسلمين الأمريكيين)؛ حيث تميَّزت هذه المرحلة بظهور عدد من المؤسسات الإسلامية الأمريكية التي أُسِّست لتعالج بعض مشكلات المراحل السابقة في قصة الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل قلَّة التركيز على النشاط السياسي، وضعف المشاركة في فعاليات الحياة العامة الأمريكية، والانقسام لأسباب عرقية، واختلاف المذاهب الدينية. ومن أمثلة هذه المؤسسات: مجلس الشئون العامة الإسلامية (MPAC) الذي أُسِّس في عام 1988م، والمجلس الإسلامي الأمريكي (AMC) الذي أسس في عام 1990م، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) الذي أسس في عام 1994م، والتحالف الإسلامي الأمريكي (AMA) الذي أسس في عام 1994م[7].
أمَّا في عام 2002م، فقد بلغ عدد المسلمين في المجتمع الأمريكي حوالي 7.5 ملايين مسلم، يمكن تقسيمهم بحسب أصولهم على النحو التالي:
م المسلمون العدد (بالمليون) النسبة
1 أصحاب الأصول الإفريقية 3,61 48.2 %
2 أصحاب الأصول الآسيوية 1,8 24 %
3 أصحاب الأصول الشرق أوسطية 1,4 18.5 %
4 أصحاب الأصول الأوربية والأمريكية وغيرها 0,69 9.3 %
المجموع 7,5 100 %
وتعتبر قضية الوجود وتكوين الهوية المتميزة من أهم القضايا التي واجهت المسلمين في المجتمع الأمريكي، فلقد كانت أهم مشكلة واجهت المسلمين الأوائل في المجتمع الأمريكي، هي العقبات النفسية والدينية والثقافية والاجتماعية التي تتعلق بمصيرهم ومصير أبنائهم، وتراثهم وعقيدتهم في مجتمع جديد عليهم في قيمه وفي عاداته، وفي النظم والقوانين التي يسير عليها، وفي الاعتبارات التي تحكم التفاعلات بين أفراده؛ هذه العقبات وغيرها كان لها العديد من الانعكاسات على موقف المسلمين ونظرتهم إلى أنفسهم وإلى المجتمع المحيط بهم، وكانت بمنزلة الأساس الذي قامت عليه هوية المسلمين في المجتمع الأمريكي[8].
هناك نوعان مختلفان من القضايا الإسلامية بالنسبة للمسلمين في الولايات المتحدة، الأول ما يمكن التفكير فيه بوصفه قضايا تقليدية بالنسبة للأقليات المسلمة في كل مكان، وفي هذه القضايا يكون الهمُّ الرئيسي هو كيف يعيش المسلم حياة إسلامية في بلد غير مسلم، والمطلب الرئيسي هنا هو المحافظة على الإسلام كطريقة للحياة في مجتمع يصعب فيه ذلك. أمَّا النوع الثاني من القضايا الإسلامية فيتصل بالتطورات والتحولات الكبرى التي جرت في العقود الماضية، وقد وصف البعض هذه التغيرات بأنها ولادة مجتمع ما بعد الصناعة.
ينظر الكثيرون في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدين على أنه شأن خاص وفردي وليس شأنًا عامًّا، والإطار الاجتماعي الأساسي الذي يعيش فيه المسلمون في الولايات المتحدة هو إطار علماني من أغلب النواحي، وبذلك أصبحت إحدى القضايا الرئيسية بالنسبة للمسلمين هي كيف يمكن للإسلام أن يؤدِّي دوره - وهو الذي يمثل طريقة شاملة للحياة - في مثل هذا السياق العلماني، ومن خلال إطار قانوني واجتماعي أقرَّ الفصل الكامل ما بين الدين والدولة.
يمكن أخذ قضية الصلاة في المدارس الحكومية الأمريكية كمثال للمشاكل الناتجة عن إقرار سياسة فصل الدين عن الدولة في المجتمع الأمريكي؛ حيث يدور جدل محموم حول موضوع ما إذا كان ينبغي السماح بأداء الصلاة في المدارس الحكومية الأمريكية أم لا، وذلك بالنسبة للصلاة عمومًا سواء للمسلمين أو للنصارى، إضافةً إلى ما يحتاجه المسلم لأداء صلاته وبانتظام من اقتطاع أوقات من ساعات عمله، بجانب احتياجه إلى مكان مناسب للصلاة لا يتوافر بسهولة في المدارس الأمريكية أو في المكاتب والمصانع، كذلك يحتاج المسلم لمرافق من أجل الوضوء[9].
أيضًا ارتبطت عملية التكيف مع المجتمع الأمريكي من جانب المهاجرين المسلمين بالعديد من القضايا الداخلية، مثل قضية التعليم الإسلامي، وقضايا العنف والمخدرات والتفكك الأسري، وقضايا التمييز العرقي ضد المسلمين، وذلك بجانب القضايا الخارجية النابعة من الدول والمجتمعات الإسلامية التي تنتمي إليها الجماعات الكبرى التي تتكون منها الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، والتي يمكن أن تؤثِّر في طبيعة دور هذه الأقليات في المجتمع الأمريكي، مثل قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية البوسنة والهرسك، وكوسوفا، وكشمير، والشيشان، وغير ذلك من القضايا التي تؤثر في دور الأقليات المسلمة في المجتمع الأمريكي.
--------------------------------------------------------------------------------