عطاء الله هي رحمة الله
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ﴾
معنى ذلك: أن الإنسان الذي يؤمن, ويستقيم, ويجاهد في سبيل الله نفسه وهواه, إنما يرجو رحمة الله؛ المؤمن يرجو رحمة الله, والكافر يرجو الدنيا؛ يرجو مالها, يرجو نساءها, يرجو سمعتها.....
فالإنسان عليه أن يتبصر, هل يرجو رحمة الله من عمله؟ غير المؤمن يبحث عن مصلحته, يبحث عن شهوته, يبحث عن لذته, يبحث عن مكاسب مادية, بينما المؤمن يرجو رحمة الله, هذا هو الفرق الجوهري, رحمة الله هي الجنة, قال تعالى:
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
رحمة الله عز وجل, هي الجنة, الهدف من الإيمان, والعمل الصالح, والمعاملات, والأخلاق, وما إلى ذلك, هو أن المؤمن يرجو رحمة الله, وصل للجنة, الجنة: هذه رحمة الله عز وجل.
كل مكارم الأخلاق مجموعة في رحمة الله:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
إذاً: هي السبب, وهي الهدف, وهي المصير, مكارم الأخلاق سببها:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
اللين, واللطف, والرحمة, والشفقة, والعطف, بسبب ما استقر في قلب رسول الله من رحمة, من خلال اتصاله بالله, فهي السبب, هي الهدف:
﴿يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ﴾
هي المصير:
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
هي الأمل:
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾
تقتضي رحمة الله عز وجل: أن يسوق هذا المجرم إلى الجنة, أن يسوقه إلى الهداية, أن يسوقه إلى التعريف بمهمته في الحياة. لو أن الإنسان خلق ليكفر, أو خلق كافراً, لا يوجد داع لكي يعذبه الله:
الرحمه ثمنها الإحسان
﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
إن أردت رحمة الله, هذا العطاء المطلق, والحقيقة: لو دققت بالتفاصيل, لوجدت رحمة الله في كل شيء, تعني الشيء المادي, تعني الصحة, تعني السلامة, تعني الطمأنينة, تعني الثقة, تعني الراحة, تعني السعادة, تعني أن يكون القبر روضة من رياض الجنة, تعني الجنة .فالعطاء الجامع, المانع, الشامل, الواسع, أو الأصح أن نقول: مطلق, عطاء الله هي رحمة الله .
قد لا تُرى رحمة الله بالعين, شخص مؤمن يشبه أي إنسان, قد يكون شكله أقل مما ينبغي؛ ليس عنده الجمال الزائد في شكله –مثلاً-, في دخله, في بيته, في أولاده, لكن باستقامته, واتصاله بالله عز وجل, في قلبه رحمة, وسعادة, وطمأنينة, لو وزعت على أهل بلد لكفتهم:
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾
أحياناً: تجد بيتاً عادياً, لكنه محفوف برحمة الله:
﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾
إذا الله عز وجل أحاط أسرة برحمته, فالأسرة موفقة, متفاهمة, بدخل محدود, الله يبارك لها في دخلها, يبارك لها في وقتها, يبارك لها في حاجاتها, والأمور كلها ميسرة, يبارك لها في عملها الصالح, هذا الذي لا يعبأ برحمة الله, هذا ضال أشد الضلال:
﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾
ماهو المطلوب منك ..
أحياناً: الإنسان يؤمن, يستقيم, يكون قاسياً مع والدته, قاسياً مع والده, قسوة لا مبرر لها, فمن أجل رحمة الله, يقف موقفاً قاسياً, هذا ما أراده الله عز وجل, حتى وأنت ترجو رحمة الله؛ أن تكون معتدلاً, أن تكون ليناً, وأن ترعى من حولك:
الختام..
آيات كثيرة جداً من رحمة الله, لكنه موضوع مهم: أن ترى رحمة الله هي كل شيء, وأن تسعى إليها, وأن ترجوها, وأن تكون هي المصير, وهي الهدف, وهي السعادة, وهي الشيء الذي يتمايز به المؤمنون, ورحمة الله تأتي من طاعته, وتأتي من الإحسان إلى خلقه, فكلما كنت أكثر إحساناً للخلق, كنت أقرب إلى رحمة الله.
((اللهم رحمتك أرجو, فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين))
ملخص ماقرات .. للكاتب ...محمد راتب النابلسي حفظه الله ..