كان المشهور عن ((المثنى بن حارثة الشيباني البكري الوائلي ))أنه من أشراف قبيلته وشيخ حربها ورجاحة عقله وإدارته المتميزة في المعارك. وفي الجاهلية أغار المثنى بن حارثة الشيباني البكري الوائلي ، وهو ابن أخت عمران ابن مرة، على بني تغلب ، وهم عند الفرات، فظفر بهم فقتل من أخذ من مقاتلتهم وغرق منهم ناسٌ كثير في الفرات وأخذ أموالهم وقسمها بين أصحابه. وفي طريق عودته صادف قبائل من تميم فأغار عليهم وأخذهم.
[عدل] قصة إسلامه
وفد المثنَى بن حارثة بن ضَمضَم الشّيبانيّ إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- سنة تسع مع وفد قومه، وكان شهماً شجاعاً ميمون النقيبة حسن الرأي..
[عدل] أهم ملامح شخصيته
ـ حسن إدارته الشديدة للمعارك: كانت أنباء هزيمة الجسر ثقيلة على المسلمين؛ حتى إن عمر بن الخطاب ظل أشهرا طويلة لا يتكلم في شأن العراق؛ نظرا لما أصاب المسلمين هناك، ثم ما لبث أن أعلن النفير العام لقتال الفرس في العراق؛ فتثاقل الناس عليه، وعندما رأى ذلك قرر أن يسير هو بنفسه للقتال والغزو، فأشعل سلوكه ذلك الحماسة في قلوب المسلمين، فقدمت عليه بعض القبائل من الأزد تريد الجهاد في الشام، فرغبهم في الجهاد في العراق، ورغبهم في غنائم كسرى والفرس، وقدمت عليه قبيلة بجيلة، واشترطوا أن يقاتلوا في الشام مع بني عمهم من القبائل القحطانية فرغبهم عمر بن الخطاب كثيرا بالقتال في جيش المسلمين بالعراق حتى وافقوا أخيرا بعدما وعدهم بربع الغنيمة, وكان جيش المسلمين بالعراق يتشكل آنذاك من قبائل عدنانية غالبيتها من ربيعة قوم المثنى, وتعتبر ربيعة وهي من القبائل ذات البأس الشديد أجرأ العرب على العجم كما يفيد أكثر من مؤرخ من بينهم الطبري في تاريخه؛ وكان لهم وقعات مع الفرس في الجاهلية من بينها معركة ذي قار. وبدأت الجموع المجاهدة تتوافد على المثنى، الذي لم يكف عن ترغيب العرب في الجهاد. واكتملت قوات المسلمين تحت قيادة المثنى بن حارثة، في مكان يسمى "البويب" (يقع حاليا قرب مدينة الكوفة)، وكان نهر الفرات بين الجيشين، وكان يقود الفرس "مهران الهمداني" الذي أرسل إلى المثنى يقول له: "إما أن تعبروا إلينا أو أن نعبر إليكم"، فرد عليه المثنى "أن اعبروا أنتم إلينا مثلما عبرنا إليكم من قبل". وكان المثنى لا يريد أن يكرر خطأ أبي عبيد الثقفي عندما عبر إلى الفرس في معركة الجسر مما تسبب بخسارة المعركة؛ لأن الفرس حينها اختاروا أفضل الأمكنة التي تمكنهم من حصار جيش المسلمين وهذا ما حدث بالفعل, وقد نهي أبو عبيد عن العبور في هذا الموضع بالذات من قبل المثنى ولكنه أصر. وكان يوم البويب ذلك في (14 من رمضان 14هـ = 31 من أكتوبر 635م). ويرى بعض المؤرخين أنها وقعت في رمضان سنة 13هـ، إلا أن تتبع ما وقع من أحداث في العراق يجعل الرأي الأقرب للصواب هو 14هـ. وقد أمر المثنى المسلمين بالفطر حتى يقووا على القتال، فأفطروا عن آخرهم، ورأى المثنى أن يجعل لكل قبيلة راية تقاتل تحتها؛ حتى يعرف من أين يخترق الفرس صفوف المسلمين، وفي هذا تحفيز للمسلمين للصمود والوقوف في وجه الفرس. وأوصى المثنى المسلمين بالصبر والصمت والجهاد؛ لأن الفرس عندما عبروا إلى المسلمين كانوا يرفعون أصواتهم بالأهازيج والأناشيد الحماسية، فرأى المثنى أن ذلك من الفشل وليس من الشجاعة. وخالط المثنى جيشه مخالطة كبيرة فيما يحبون وفيما يكرهون؛ حتى شعر الجنود أنه واحد منهم، وكانوا يقولون: "لقد أنصفتنا من نفسك في القول والفعل". ونظم المثنى جيشه، وأمرهم ألا يقاتلوا حتى يسمعوا تكبيرته الثالثة، ولكن الفرس لم يمهلوه إلا أن يكبر تكبيرة واحدة حتى أشعلوا القتال، وكان قتالا شديدا عنيفا، تأخر فيه النصر على المسلمين، فتوجه المثنى إلى الله تعالى وهو في قلب المعركة بالدعاء أن ينصر المسلمين، ثم انتخب جماعة من أبطال المسلمين وهجموا بصدق على الفرس فهزموهم، وعندما استشهد "مسعود بن حارثة" وكان من قادة المسلمين وشجعانهم وهو أخو المثنى قال المثنى: "يا معشر المسلمين لا يرعكم أخي؛ فإن مصارع خياركم هكذا"، فنشط المسلمون للقتال، حتى هزم الله الفرس. وقاتل مع المثنى في هذه المعركة أنس بن هلال النمري من النمر بن قاسط إحدى قبائل ربيعة وكان هذا النمري نصرانيا، فقاتل حمية للعرب، ولأبناء عمومته من قبائل ربيعة بالذات التي كانت تشكل ثلثي عدد جيش المسلمين في هذه المعركة, وكان صادقا في قتاله، وحمل المثنى ومعه نخبة مختارة من أبطال المسلمين على مركز القلب في الجيش الفارسي فاستطاعوا بعزيمة وبأس شديد أن يعيدوه إلى الخلف مما سبب اختلالا بتنظيم جيشهم وكان من أسباب هزيمتهم, بالإضافة إلى مقتل مهران قائد الجيش الفارسي وهو من أمهر قادتهم على الإطلاق وكانت مقتله من ثمرات اختراق قلب الجيش الفارسي. فخارت صفوف الفرس، وولوا هاربين، فلحقهم المثنى على الجسر، وقتل منهم وقت محاولة هروبهم واندفاعهم إلى النهر أعدادا ضخمة قدرت عند البعض بستين ألفا. ويقدر المؤرخون عدد المسلمين في هذا اليوم ما بين ثمانية آلاف إلى اثني عشر ألفا, بينما كان عدد الفرس ما بين مئة ألف إلى مئة وعشرين ألفا, وكان جيش الفرس في هذه المعركة رهيبا جدا لأنه كان يتشكل من عدد ضخم لا مثيل له من الفرسان؛ إذ كانت كتيبة الفرسان وحدها تمثل أكثر من نصف عدد الجيش, بالإضافة إلى كتيبة المدرعات وهي الفيلة المدربة والمعدة للقتال. ولكن هذا الجيش كما يتحدث المؤرخون بكامله إبيد, حتى القلة القليلة التي استطاعت عبور النهر والهرب إلى بعض المدن القريبة أرسل المثنى من يتعقبهم ويقتلهم. وقد سميت معركة البويب بـ"يوم الأعشار"؛ لأنه وجد من المسلمين مائة رجل قتل كل منهم عشرة من الفرس، ورأى المسلمون أن البويب كانت أول وأهم معركة فاصلة بين المسلمين والفرس، وأنها لا تقل أهمية عن معركة القادسية الفاصلة سوى أن هذه المعركة كانت نتائجها تمثلت بتحرير العراق العربي من الفرس, وربما كانت صعوبة ضروف يوم البويب أكبر بكثير مما جرى بالقادسية. وقد لقي انتصار المسلمين يوم البويب صدى كبيرا عند المسلمين في الثغور والمدن, كذلك كان صدى هذا الانتصار صاعقا ومدمرا لمعنويات الفرس؛ لدرجة أنهم نبذوا كل خلافاتهم وبدؤوا يشعرون باهتزاز عرشهم, ويصدقون المقولة إن جيوش المسلمين لا يمكن هزيمتها وكانت تقال بسواد العراق؛ خاصة أن جيشا بهذا العدد الضخم تمت إبادته بشكل كامل ولم يعد منه أحد على يد جيش يقله بالعدد عشرة أضعاف. وبأخلاقيات القائد العظيم اعترف المثنى بخطأ ارتكبه وهو عندما بدأت المعركة تنحسم لصالح المسلمين قام المثنى بمحاصرة الفرس وحجزهم على الجسر, فقال: "عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أحرجتهم؛ فلا تعودوا أيها الناس إلى مثلها؛ فإنها كانت زلة فلا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع." لأن بحصار الفرس يصبح أمامهم الاضطرار إلى القتال وهذا قد يوقع قتلى أكثر في صفوف المسلمين, والمثنى إذ ينصح بعدم فعل هذا مرة أخرى ليعبر عن حرصه الكبير على عدم تعرض أرواح المسلمين لخطر بهذا الححم خاصة وأن عددهم في هذه المعركة كان قليلا جدا, وهذه إحدى صفاته الكثيرة التي جعلت منه محبوبا جدا عند أفراد جيشه. ويذكر أن حصار الفرس على الجسر تمت نتائجه من فضل الله على ما خطط له المثنى, وهنا تمت إبادة الجيش الفارسي. وربما نلحظ هذا العداء الشديد من قبل المثنى تجاه الفرس ما جعله يفعل شيئا يراه خطأ لأن الفرس كانوا قبلها بفترة قصيرة انتصروا على المسلمين في معركة الجسر, وقتلوا منهم أكثر من ثلاثة آلاف. يذكر أن المثنى جرح في يوم الجسر جراحة بالغة وقام بإنقاذ جيش المسلمين عندما وصلته القيادة بمجهود خرافي ينم عن شجاعة نادرة جدا وقيادة قل نظيرها, فاستطاع إصلاح الجسر حتى عبره المسلمون بأقل الخسائر الممكنة وكان المثنى آخر من عبره مما عرضه لجراحات كبيرة حملها كلها في يوم البويب وقاد المسلمين للثأر ثأرا عظيما جدا, وبعد يوم البويب العظيم مات المثنى على فراشه متأثرا من جراحه في معركة الجسر. رحمة واسعة وجازاه عن الإسلام خير جزاء.
[عدل] بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
ذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه من حديث عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب في خروجهما هو وأبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك قال علي وكان أبو بكر في كل خير مقدماً فقال ممن القوم فقالوا من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر في قومهم وفيهم مفروق بن عمر وهانئ بن قبيصة ومثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق بن عمر قد غلبهم جمالاً ولساناً وكانت له غديرتان وكان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر رضي الله عنه فقال له أبو بكر رضي الله عنه كيف العدد فيكم فقال مفروق أنا لنزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة فقال أبو بكر كيف المنعة فيكم فقال مفروق علينا الجهد ولكل قوم جد فقال أبو بكر فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم فقال مفروق إنا لأشد ما نكون غضباً لحين نلقى وأنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا ويديل علينا أخرى لعلك أخو قريش فقال أبو بكر أوقد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا فقال مفروق قد بلغنا أنه يذكر ذلك فإلام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تؤوني وتنصروني فإن قريشاً قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد فقال مفروق وإلام تدعو أيضاً يا أخا قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" فقال مفروق وإلام تدعو أيضاً يا أخا قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" فقال مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وكأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال هذا هانئ ابن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر زلة في الرأي وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر وإنا إنما نزلنا بين صريي اليمامة والسمامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذان الصريان فقال أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثاً وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت هو مما يكرهه الملوك فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسأتم في الرد إذ فصحتم في الصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاط من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نسائهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان بن شريك اللهم لك ذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا" ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقال يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتجاوزون فيما بينهم
[عدل] بعض مواقفه مع الصحابة
ـ عندما أسلم المثنى بن حارثة كان يغِير هو ورجال من قومه على تخوم ممتلكات فارس، فبلغ ذلك الصديق أبا بكر رضي الله عنه، فسأل عن المثنى، فقيل له: "هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد". ولم يلبث المثنى أن قدم على المدينة المنورة، وقال للصديق: "يا خليفة رسول الله استعملني على من أسلم من قومي أقاتل بهم هذه الأعاجم من أهل فارس"، فكتب له الصديق عهدا، ولم يمضِ وقت طويل حتى أسلم قوم المثنى.. أثره في الآخرين ـ وعندما رأى المثنى البطء في الاستجابة للنفير قام خطيبا في الناس فقال ":أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه؛ فإنا قد فتحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير شقي السواد، ونلنا منهم، واجترأنا عليهم، ولنا إن شاء الله ما بعده".
[عدل] بعض كلماته
وقال المرزباني: كان مخضرما وهو الذي يقول:
سألوا البقية والرماح تنوشهم شرقي الأسنة والنحور من الدم فتركت في نقع العجاجة منهم جزرا لساغبة ونسر قشعم
[عدل] الوفاة