الترويح هو النشاط البناء الممارس في وقت الفراغ بالإختيار الحر دون توقع أي عائد مادي بغرض الكسب يهدف إلي إكتساب الخبرات المختلفة ويعد الأفراد لحياتهم المستقبلية
التوجيه الإسلامي لدور الأسرة في التربية الترويحية
]center]الأسرة العربية عاجزة عن القيام بدورها الترويحي
- مجتمعاتنا يغيب عنها المفهوم الصحيح للترويح.
- الترويح عند المسلمين له مجالاته المتميزة بتميز عقيدتهم. [/center]
تشير شواهد الواقع الاجتماعي للأسرة العربية إلى خلل واضح في دورها الترويحي تجاه الأبناء، ويظهر ذلك في اعتناق مفاهيم خاطئة عن الترويح لدى بعض الآباء، ونقص الممارسات الترويحية الهادفة، وسيادة أنماط من الترويح السلبي كالمشاهدة والتشجيع للأحداث الرياضية والأفلام والتمثيليات، بينما يغيب الترويح الإيجابي الذي يشارك فيه الإنسان بنفسه.
هذا ما يؤكده د. مصطفى عبد القادر عبد الله أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس في دراسته عن "التوجيه الإسلامي لدور الأسرة في التربية الترويحية".
ويضيف أن الأسرة العربية تمر اليوم بأزمة بالنسبة للتربية الترويحية، وهي جزء من الأزمة التربوية للمجتمع الذي ارتبط التعليم فيه بمفهوم قاصر للتنمية وزيادة تطلعات الأفراد وتوجيههم إلى رغبات متزايدة للإشباع الاستهلاكي، وما يرتبط به من الطلب على الخدمات المحققة لهذا الإشباع، وأصبحت التربية الترويحية تعني بتنمية الروح الفردية، واعتبر الترويح مجالاً للمتعة والاستمتاع بمقتضيات الحضارة الحديثة وليس كمكافأة عن عمل حقيقي وإنجاز يفاخر به المرء وكفرصة تربوية حقيقية تنمي شخصيات الأفراد.
غياب المفهوم الصحيح عن الترويح
وتؤكد الدراسة على أن المشكلات التي تعترض دور الأسرة في الترويح تكمن في غياب المفهوم الصحيح عن الترويح المرتبط بتراثنا وأصالتنا والسير وراء النزعات التغريبية في محاولة للتعويض، ودعاة التغريب الثقافي في مجتمعنا واهمون، فثقافة الغرب محل نقد شديد من مفكري الغرب أنفسهم، وثقافة أي أمة تحمل خصائصها هي وليس خصائص أية أمة أخرى .
والترويح هو أحد عناصر التكوين الثقافي، لأنه متضمن لجوانب النشاط الإنساني التي يراها المجتمع في أوقات الفراغ .
ومن هنا فإن إتمام أساليب ترويحية بعيدة عن واقعنا الثقافي، ودخيلة على نمط الحياة الأسرية واستيراد أفكار ومفاهيم لا تنسجم مع الأصول الإسلامية لمجتمعنا هو أمر بحاجة إلى مراجعة، ولا معنى لما يروجه البعض من أن الترويح حرية مطلقة يتنسمها الإنسان بعد الكدح والمعاناة التي يلقاها في الحياة اليومية، ولا بأس في نظر هؤلاء من أن يقترن الترويح بتناول المسكرات المخدرات والاختلاط الشاذ والأفلام المهمة.
ومن هذا المفهوم انزلق إعلامنا في كل ما يقدمه للصغار والكبار، فاستورد للأطفال شخصيات غريبة عنهم (سوبرمان – طرزان – وولت ديزني) وقصص المغامرات والعنف، ونقلها كما هي بما يهز قيم ومعتقدات الطفل، بينما الإعلام في مجتمع إسلامي لابد أن يعكس شمول العقيدة وتكامل البناء الاجتماعي بدءاً من أبسط أمور الحياة بما فيها من الطرفة والفكاهة وحتى أدق المسائل الجادة، وهو في هذا إسلامي في صدق أخباره وإسلامي في الترويح والترفيه وإسلامي في إعلاناته.
مفهوم الترويح في الإسلام
تحدد الدراسة هذا المفهوم فتقول إنه النشاط الهادف سواء كان بدنياً أو ثقافياً أو اجتماعياً أو ترفيهياً، موجهاً بالعقيدة، وتقدم عليه الجماعة المسلمة لتحقيق تكاملها النفسي والاجتماعي والديني، ويتم في الأوقات والمناسبات بما لا يطغى على وقت العمل أو العبادة في حياة المجتمع المسلم.
فالشخصية بطبيعتها في حاجة إلى ترويح لنموها ونضارتها وحيويتها والتغاضي عن إشباع هذا الجانب يؤثر في إشباع حاجات الإنسان ويجعله منطويًا على نفسه قلقًا عبوسًا ..
والترويح يعين على مواصلة العمل والإقبال على أداء العبادات.
ففي الحديث (وإن لبدنك عليك حقًا وإن لأهلك عليك حقًا فأعط كل ذي حق حقه) .. وفي القرآن الكريم ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ).
كما يرتبط مفهوم الترويح في الإسلام بإشاعة روح المرح والدعابة ودفع التجهم والحزن، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دائم البشر سهل الطبع لين الجانب، ومع مسؤولياته الجسام يشارك صحابته الفكاهة الرقيقة، فيقول لعمته صفية (لا تدخل الجنة عجوز، فبكت فقال لها -وهو يضحك- الله –تعالى- يقول : "إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكارًا عُرُبًا أترابًا".
والترويح في الإسلام ينطوي على معاني الحب والتراحم والرفق، وأعياد المسلمين إنما شرعت لأغراض عدة على قمتها الغرض الترويحي، وكذلك الحث على زيارة الأقارب والأصدقاء.
والترويح في الإسلام ينم عن معاني القوة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصرع الرجل القوي ويركب الفرس عاريًا فيروضه على السير ويداعب من يحب بالمسابقة في العدو كما فعل مع أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
وتتعاظم أهمية الترويح في الإسلام من اعتبار النشاط الترويحي فرصة تعليمية وتربوية،
ففي سياق النشاط الترويحي تنمي في شخصية النشء والشباب الجوانب الإبداعية والمهارية، وتنمي روح التعاون والعمل الجماعي ويتعود الولد على الخشونة والإباء والابتعاد عن التراخي والميوعة واللامبالاة، ويتعلم قوة الإرادة والصبر والإصرار على بلوغ الأهداف في الحياة ،ويتعلم كيف ينظم وقته فيما بين مشاغله، فعمر بن الخطاب يقول مناشدًا الآباء والمربين "علموا أولادكم الرماية والسباحة ومروهم أن يثبوا على الخيل وثبًا".
الترويح الإسلامي .. خصوصية وتميز
وتؤكد الدراسة أن الترويح في المجتمع الإسلامي متميز بتميز منطلقاته القيمية والدينية، فلهذه الأمة مناسباتها الترويحية العديدة مثل الأعياد الإسلامية (عيد الفطر – عيد الأضحى) وتحري رؤية هلال رمضان وأوائل الشهور العربية، والترويح الثقافي ممثلاً في قصص الأنبياء، والسيرة النبوية وزيارات المساجد ومتابعة في الندوات ومحاضرات كبار العلماء.
والترويح الاجتماعي ممثلاً في الزيارات الاجتماعية وحضور الدعوات، كذلك تتضح خصوصية الترويح الإسلامي في بعض المناسبات كحفلات العرس والاحتفال بالمواليد (العقيقة) وحفلات الختان وغيرها .. كذلك هناك الرياضات التي حث عليها الإسلام بصفة خاصة، مثل الفروسية والصيد، ورياضات الخلاء العدو والمصارعة والقفز، كذلك فإن المسامرات التي تحدث بعد صلاة العشاء، وفيها ذكر الأمجاد والبطولات والسير الشعبية هي أمور ترويحية تشكل وعي ووجدان الإنسان المسلم.
المشكلات التي تحول دون الأسرة والترويح
حددت الدراسة نوعين من المشكلات التي تعوق دون قيام الأسرة بدورها الترويحي، وهي مشكلات ذات طابع اقتصادي، ثم مشكلات ذات طابع ثقافي، فالعامل الاقتصادي مهم جدًا في هذه القضية، فقد يكون لدى الأب والأم درجة عالية من التعليم والثقافة، وعلى وعي بقيمة الترويح وأهميته، ولكن انخفاض دخل الأسرة لا يسمح لهما بالقيام بهذا الدور ..
كذلك فإن غياب الأب والأم لفترات طويلة في العمل لزيادة دخل الأسرة يترتب عليه آثار نفسية واجتماعية، أهمها اختلال الأدوار المنوطة بكل منهما خاصة الدور الترويحي، فهذا الدور بحاجة إلى تفرغ واستقرار وحالة ذهنية تسمح بأدائه على نحو مرض، وتتفاقم المشكلة إذا سافر الأب وحده للعمل في الخارج، وهناك أيضًا عدد من المشكلات الاقتصادية في الدول العربية الفقيرة التي تحول دون القيام بالدور الترويحي، مثل ازدحام المساكن وضيقها وارتفاع تكاليف الترويح خارج المنزل، كما أن ارتفاع المستوى الاقتصادي لدى بعض الأسر، وتخلف الوعي الثقافي لديها يؤدي إلى إنفاق غير رشيد على الترويح وتأديته بصورة غير سليمة.
أما المشكلات الثقافية التي تعترض دور الأسرة العربية في الترويح فتكمن في غياب المفهوم الصحيح للترويح كما قدمنا سابقًا.