إجماع الصحابة وأقوال أهل العلم
ـ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ : (( كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاةِ )) قَالَ الترمذي : سَمِعْت أَبَا مُصْعَبٍ الْمَدَنِيَّ يَقُولُ : (( مَنْ قَالَ الإِيمَانُ قَوْلٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ )) .
قال في تحفة الأحوذي : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ هَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تَرْكَ الصَّلاةِ كُفْرٌ , وَالظَّاهِرُ مِنْ الصِّيغَةِ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ اِجْتَمَعَ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ . لأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ جَمْعَ مُضَافٍ وَهُوَ مِنْ الْمُشْعِرَاتِ بِذَلِكَ .
وَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا , وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ .
قال ابن باز رحمه الله بعد أثر عبدالله بن شقيق :
فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم .
وقال ابن باز أيضًا :
فذكر أنهم مجمعون على أن ترك الصلاة كفر ، ولم يقولوا بشرط أن ينكر وجوبها أو يجحد وجوبها ، أما من قال : إنها غير واجبة فهذا كافر عند الجميع كفرًا أكبر ، وإذا قال : إنها غير واجبة فقد كفر عند جميع أهل العلم ولو صلى مع الناس ، متى جحد الوجوب كفر إجماعًا ، نسأل الله العافية .
قال ابن القيم : فصل في الاستدلال بإجماع الصحابة :
عن عبدالله بن عباس (( أنه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في المسجد قال فاحتملته أنا ورهط كانوا معي في المسجد حتى أدخلناه بيته قال فأمر عبدالرحمن بن عوف أن يصلي بالناس قال فلما دخلنا على عمر بيته غشي عليه من الموت فلم يزل في غشيته حتى أسفر ثم أفاق فقال هل صلى الناس قال فقلنا نعم فقال لا إسلام لمن ترك الصلاة )) وفي سياق آخر (( لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى )) وذكر القصة تعظيم قدر الصلاة ، فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه .
وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وابي هريرة ولا يعلم عن صحابي خلافهم .
وقال الحافظ عبدالحق الاشبيلي رحمه الله في كتابه في الصلاة : ذهب جملة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها منهم عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعبدالله بن مسعود وابن عباس وجابر وأبو الدرداء وكذلك روي عن علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه هؤلاء من الصحابة ومن غيرهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وعبدالله بن المبارك وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وابو بكر ابن أبي شيبة وابو خيثمة زهير بن حرب
ـ عن الْمِسْوَر بْنَ مَخْرَمَةَ : (( أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ عُمَرُ : " نَعَمْ وَلا حَظَّ فِي الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ " فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا )) .
ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (( من ترك الصلاة فلا دين له )) .
ـ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : (( لا إيمان لمن لا صلاة له ، ولا صلاة لمن لا وضوء له )) .
ـ قال ابن أبي شيبة : قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( من ترك الصلاة فقد كفر )) .
ـ وقال محمد بن نصر المروزي : سمعت إسحاق يقول : صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أن تارك الصلاة عمدًا من عذر حتى يذهب وقتها كافر )) .
ـ وروى حماد بن زيد عن أيوب قال : (( ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه )) .
ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَنَشْهَدُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ عَمْدًا فَهُوَ كَافِرٌ .
قال شيخ الإسلام أيضًا : أَمَّا تَارِكُ الصَّلاةِ فَهَذَا :
ـ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهَا فَهُوَ كَافِرٌ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ
ـ وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهَا مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى تَرْكِ : فَقَدْ ذَكَرَ عَلَيْهِ الْمُفَرِّعُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فُرُوعًا : أَحَدُهَا هَذَا , فَقِيلَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ : مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَإِذَا صَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ فَهَلْ يُقْتَلُ كَافِرًا مُرْتَدًّا , أَوْ فَاسِقًا كَفُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورِينَ . حُكِيَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد , وَهَذِهِ الْفُرُوعُ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ , وَهِيَ فُرُوعٌ فَاسِدَةٌ .
فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالصَّلاةِ فِي الْبَاطِنِ , مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهَا , يَمْتَنِعُ أَنْ يُصِرَّ عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى يُقْتَلَ , وَهُوَ لا يُصَلِّي هَذَا لا يُعْرَفُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَعَادَتِهِمْ ; وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ هَذَا قَطُّ فِي الإِسْلامِ , وَلا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا , وَيُقَالُ لا إنْ لَمْ تُصَلِّ وَإِلا قَتَلْنَاك , وَهُوَ يُصِرُّ عَلَى تَرْكِهَا , مَعَ إقْرَارِهِ بِالْوُجُوبِ , فَهَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ في الإِسْلامِ . وَمَتَى امْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْ الصَّلاةِ حَتَّى يُقْتَلَ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاطِنِ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا , وَلا مُلْتَزِمًا بِفِعْلِهَا , وَهَذَا كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ , كَمَا اسْتَفَاضَتْ الآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ بِكُفْرِ هَذَا , وَدَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ .
ـ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى تَرْكِهَا لا يُصَلِّي قَطُّ , وَيَمُوتُ عَلَى هَذَا الإِصْرَارِ وَالتَّرْكِ ، فَهَذَا لا يَكُونُ مُسْلِمًا .
ـ قال ابن حزم في المحلى (2/242) : قد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم : أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدًا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد ، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفًا .
ـ قال الحافظ عبد العظيم : قد ذهبت جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدًا لتركها حتى يخرج جميع وقتها ، منهم عمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر بن عبدالله وأبو الدرداء رضي الله عنهم ، ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإحاق بن راهويه وعبدالله بن المبارك والنخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم رحمهم الله تعالى .
ـ قال ابن القيم : والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه ومحال بقاء الربح بلا رأس مال فإذا خسرها خسر أعماله كلها وإن أتى بها صورة أشار إلى هذا في قوله ((فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع)) وفي قوله ((إن أول ما ينظر في شيء من أعماله))
العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودُعِيَ إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه ويشد للقتل وعصبت عيناه وقيل له تصلي وإلا قتلناك فيقول اقتلوني ولا أصلي أبدا .
ومن لا يكفر تارك الصلاة ـ أي ومن العجب ـ يقول هذا مؤمن مسلم يغتسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين وبعضهم يقول إنه مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمانه جبريل وميكائيل ، فلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة والله الموفق .
ـ قال ابن القيم : فصل في سياق أقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة ومن حكى الإجماع على ذلك :
عن أيوب قال : ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه
عن ابن المبارك قال : من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذر فقد كفر .
وقال ابن المبارك : من قال إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو أكفر من حمار .
وقال يحيى بن معين : قيل لعبدالله بن المبارك : إن هؤلاء يقولون من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان فقال عبدالله : لا نقول نحن ما يقول هؤلاء من ترك الصلاة متعمدا من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر .
وقال ابن أبي شيبة : قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من ترك الصلاة فقد كفر" فيقال له ارجع عن الكفر فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام .
وقال أحمد بن يسار : سمعت صدقة بن الفضل وسئل عن تارك الصلاة ؟ فقال : كافر ، فقال له السائل : أتبين منه امرأته ؟ فقال صدقة : وأين الكفر من الطلاق لو أن رجلا كفر ولم تطلق منه امرأته .
قال : محمد بن نصر : سمعت إسحاق يقول صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر .ا.هـ
ـ قال ابن باز رحمه الله بعد ذكر الأدلة على كفر تارك الصلاة : وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن من تركها تهاونًا وإن لم يجحد وجوبها يكفر كفرًا أكبر لهذه الآيات والأحاديث التي سبق ذكرها ، ولو قال أنه يؤمن بوجوبها ، إذا تركها تهاونًا فقد تلاعب بهذا الأمر الواجب ، وقد عصى ربه معصية عظيمة ، فيكفر بذلك في أصح قولي العلماء ، لعموم الأدلة ، ومنها قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ما قال : (من جحد وجوبها) ، بل قال : (من تركها) فهذا يعم من جحد ومن لم يجحد ، وهكذا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) ما قال : إذا جحد وجوبها .
فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفصح الناس ، وهو أعلم الناس ، يستطيع أن يقول : إذا كان جاحدًا لها أو إذا جحد وجوبها ، لا يمنعه من هذه الكلمة التي تبين الحكم ، لو كان الحكم كما قال هؤلاء ، فلما أطلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفره فقال (فمن تركها فقد كفر) دل ذلك على أن مجرد الترك والتعمد لهذا الواجب العظيم يكون به كافرًا كفرًا أكبر ، نسأل الله العافية ـ وردة عن الإسلام ،نعوذ بالله من ذلك.
ـ سئلت هيئة كبار العلماء :
س : امرأة تؤخر الصلوات عن أوقاتها ، وتشجع بناتها الكبيرات والصغيرات على ذلك ، فما الحكم ؟
ج : إذا كان حالها كما ذكر فهي مرتدة مفسدة لبناتها وبنات زوجها ، فتستتاب ، فإن تابت واستقامت أحوالها الحمد لله ، وإن أصرت على ما ذكر رفع أمرها إلى الحاكم ليفرق بينها وبين زوجها ، وليقيم عليها الحد الشرعي وهو القتل
لحديث ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ((من بدل دينه فاقتلوه)) هذا إذا كانت تؤخر الصلاة عن وقتها كتأخير العصر حتى تغرب الشمس أو الفجر حتى تطلع الشمس ، لأن تأخيرها عن وقتها بدون عذر شرعي حكمه حكم الترك .
وبالله التوفيق وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
س : رجل تارك فروض الصلاة ، أو متهاون فيها ما عدا يوم الجمعة أول شخص يدخل الجامع هو ، فما حكم ذلك علمًا أنه ليس بأمي بل متعلم ؟
ج: الصلاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جاحدًا لوجوبها فهو كافر بالإجماع ومن تركها تهاونًا وكسلاً فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء في ذلك ، والأصل في ذلك عموم الأدلة التي دلت على الحكم بكفره ، ولم تفرق بين من تركها تهاونًا وكسلاً ومن تركها جاحدًا لوجوبها ، فروى الإمام أحمد وأهل السنن بسند صحيح من حديث بريدة بن الحصين قال : قال رسول الله ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر)) ، وروى مسلم في صحيحه عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ، وروى عبدالله بن شقيق قال : كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة . رواه الترمذي .. وبالله التوفيق وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
س : رجل يسأل عن جاوز الاستغفار لأخيه الذي مات وهو لا يصلي ؟
ج : إذا كان حال أخيك في حياته حتى مات كما ذكرت فلا يجوز لمن علم حاله أن يستغفر له ، لكفره بتركه الصلاة لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه مسلم ، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح مع أدلة أخرى في ذلك .. وبالله التوفيق وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
وسئل ابن باز رحمه الله عن حكم تارك الصلاة وهل يبطل عقد النكاح إذا كان أحد الزوجين لا يصلي قبل الزواج ؟
فقال بعد أن ساق الأدلة على كفر تارك الصلاة : وبهذا يعلم أن المسلم الذي يصلي وليس به ما يوجب كفره إذا تزوج امرأة لا تصلي فإن النكاح باطل ، وهكذا العكس ، لأنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافة من غير أهل الكتابين .
كما لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر لقول الله عز وجل في سورة الممتحنة في نكاح الكافرات ((لا هن حلٌ لهم ولا هم يحلون لهن)) ، وقوله سبحانه في سورة البقرة ((ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ، ولأمةٌ مؤمنة خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ، ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ، ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من كشركٍ ولو أعجبكم)) .
وسئل ابن باز رحمه الله : أعمل مأذون أنكحة ، وقد سمعت من بعض المنتسبين للعلم أن عقد الزواج لزوجين أحدهما لا يصلي باطل ، ولا يجوز العقد لهما فهل هذا صحيح ؟
فأجاب : بسم الله والحمد لله ، إذا علمت أن أحد الزوجين لا يصلي فلا تعقد له على الآخر ، لأن ترك الصلاة كفر لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
وقال : إذا تزوج المسلم الذي يصلي امرأة لا تصلي أو بالعكس ، ثم هدى الله الذي لا يصلي منهما وجب تجديد النكاح ، لأنه عقد غير صحيح بسبب اختلاف الدين ، ولأن التاركة للصلاة ليست في حكم الكتابيات ، فلهذا وجب تجديد النكاح في أصح قولي العلماء ؛ أما إذا كانا لا يصليان جميعًا حين العقد ثم هداهما الله واستقاما على الصلاة فإن النكاح صحيح ، كما لو أسلم غيرهما من الكفار .
وقال ابن باز رحمه الله : من مات من المكلفين وهو لا يصلي فهو كافر ، لا يغسل ، ولا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه أقاربه ، بل ماله لبيت مال المسلمين في أصح أقوال العلماء .. وساق الأدلة على كفر تارك الصلاة .. ثم قال : وهذا فيمن تركها كسلاً ولم يجحد وجوبها ، وأما من جحد وجوبها فهو كافر مرتد عن الإسلام عند جميع أهل العلم .
وقال : تارك الصلاة لا يحج عنه ، ولا يتصدق عنه لأنه كافر في أصح قولي العلماء .. وساق الأحاديث .
وقال عن مصاحبة تارك الصلاة : أنه لا تجوز مصاحبته ولا غيره من الكفرة ، ويجب بغضه ومعاداته وهجره وعدم إجابة دعوته حتى يتوب ، ولا يجوز أكل ذبيحة تارك الصلاة .
وسئل الشيخ الفوزان : لي زوجة ولي منها أولاد ولكنها للأسف لا تؤدي الصلاة ، وقد طلبت منها ذلك مرارًا ونصحتها ولكنها لا تطيع وتصر على ترك الصلاة فهل أستمر في حياتي معها أم أفارقها ؟
فأجاب : الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الفارقة بين المسلم والكافر ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)) والأحاديث في هذا كثيرة ، والصلاة هي عمود الإسلام فمن تركها متعمدًا فإنه كافر بذلك ، سواء تركها جاحدًا لوجوبها أو تركها تكاسلاً على الصحيح من قولي العلماء ، فالذي يترك الصلاة جاحدًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين ، وهذه المرأة التي يسأل عنها السائل تركت الصلاة ، وقد نصحتها مرارًا ، واستمرت على ترك الصلاة ، هذه تعتبر كافرة لا يجوز بقاء المسلم زوجًا لها ، قال تعالى ((ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ)) وقال تعالى ((ولا تمسكوا بعصم الكوافر)) ، وهذه كافرة يتعين عليك تركها ، ويعوضك الله خيرًا منها من المسلمات الصالحات إن شاء الله تعالى ، وإن تابت وحافظت على الصلاة ، فجدد العقد عليها إن كنت تريدها .
وقال أيضًا : أما الصيام مع ترك الصلاة فإنه لا يجدي ولا ينفع ولا يصح مع ترك الصلاة ، ولو عمل الإنسان مهما عمل من الأعمال الأخرى من الطاعات فإنه لا يجديه ذلك ما دام أنه لا يصلي لأن الذي لا يصلي كافر ، والكافر لا يقبل منه عمل ، فلا فائدة من الصيام مع ترك الصلاة .
ترك الصلاة يحبط العمل
1ـ إذا تركها بالكلية حبط كل عمله :
قال ابن القيم : أما تركها بالكلية ، فإنه لا يقبل معه عمل ، كما لا يقبل مع الشرك عمل ، فإن الصلاة عمود الإسلام كما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائر الشرائع كالأطناب والأوتاد ونحوها وإذا لم يكن للفسطاط عمود لم ينتفع بشيء من أجزائه فقبول سائر الأعمال موقوف على قبول الصلاة ، فإذا ردت ، ردت عليه سائر الأعمال ، وقد تقدم الدليل على ذلك .
2ـ وأما تركها أحيانا فقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأحاديث الآتية :
ـ عن أبي الدَّرْدَاء قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَفُوتَهُ فَقَدْ أُحْبِطَ عَمَلُهُ )) .
ـ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ : كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه فِي غَزْوَةٍ ، فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ : بَكِّرُوا بِصَلاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )) .
ـ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مِنْ الصَّلاةِ صَلاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ )) .
ـ عن نوفل بن معاوية رضي الله عنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( صلاةٌ من فاتته فكأنما وتر أهله وماله )) قال ابن عمر هي صلاة العصر .
ـ عن نوفل بن معاوية رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( من فاتته صلاةٌ ، فكأنما وتر أهله وماله )) .
قال ابن القيم : والذي يظهر في الحديث والله أعلم بمراد رسوله أن الترك نوعان : ترك كلي لا يصليها أبدا فهذا يحبط العمل جميعه ، وترك معين في يوم معين فهذا يحبط عمل ذلك اليوم ، فالحبوط العام في مقابلة الترك العام ، والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين .
تارك الصلاة يضر بجميع المسلمين
قال الحافظ في الفتح :
قَالَ الْقَفَّال فِي فَتَاوِيه : تَرْك الصَّلاة يَضُرّ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لأَنَّ الْمُصَلِّي يَقُول : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات , وَلا بُدّ أَنْ يَقُول فِي التَّشَهُّد " السَّلام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ " فَيَكُون مُقَصِّرًا بِخِدْمَةِ اللَّه وَفِي حَقّ رَسُوله وَفِي حَقّ نَفْسه وَفِي حَقّ كَافَّة الْمُسْلِمِينَ , وَلِذَلِكَ عُظِّمَتْ الْمَعْصِيَة بِتَرْكِهَا . وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ فِي الصَّلاة حَقًّا لِلْعِبَادِ مَعَ حَقّ اللَّه , وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهَا أَخَلَّ بِحَقِّ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ مَنْ مَضَى وَمَنْ يَجِيء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لِوُجُوبِ قَوْله فِيهَا " السَّلام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ " .
تنبيه : كل كلام ابن القيم منقول من كتابه ( الصلاة وحكم تاركها ) .
هذا ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الصلاة وندعوه بدعاء أبينا إبراهيم عليه السلام (( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء )) .
وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين .